د. ميشيل حنا يكتب: فينديتا والثورة المصرية!

وجدتُ أنه يجب أن أعيد الآن مشاهدة فيلم V for Vendetta، والذي تعجّب الجميع وقت عرضه في 2006 كيف مرّ هذا الفيلم من تحت أنف الرقابة، فالفيلم يكاد يتحدث عن حكم مبارك بكل تفاصيله، والأكثر أنه يرسم خريطة طريق لإحداث ثورة للانقلاب على هذا النوع من الحكم. بالطبع لم تفهم الرقابة الفيلم، أو ظنت أنه بعيد عنا جغرافيا وزمنيا لأن أحداثه تدور في انجلترا في المستقبل! وقد كان في إعادة المشاهدة دهشة عظيمة لمدى تطابق التفاصيل.

الفيلم من تأليف الأخوين واتشوسكي صاحبي سلسلة أفلام الماتريكس، وهو مأخوذ عن جرافيك نوفل لفنان القصص المصورة ألان مور، ويدور الفيلم عن شخصية V مجهول الهوية الذي يرتدي قناعا باسما يخفي وجهه، والذي أخذ على عاتقه مهمة إيقاظ الشعب من غفوته وفضح الممارسات الحكومية الديكتاتورية

كل شيء في الفيلم كان يتحدث عن مصر: حكومة ديكتاتورية قمعية تحكم باسم الديموقراطية، وتمارس ببراعة عملها في قلب الحقائق وتغييب العقول. المصائب والكوارث التي تعصف بالبلاد، والتي تلصقها الحكومة بالمتطرفين الدينيين، بينما هي من تدبير الحكومة نفسها! الحاكم العجوز الأبدي والغير قابل للمس والغير قابل للنقد. رقابة الحكومة على كل شيء وعلى الفنون ووسائل الإعلام خصوصا. الرسائل الإعلامية والإخبارية الموجهة والتي تهدف لإلهاء الناس عن واقعهم الحقيقي. زوار الفجر الذين يقتحمون بيوت المعارضين. التعذيب. اضطهاد الحكومة لفئات معينة في المجتمع. سيناريو أنا أو الفوضى. كل شيء. كل شيء.

وأيضا مثل الثورة المصرية، كانت ثورة V محددة التاريخ سلفا! الخامس من نوفمبر كان موعد الثورة الذي حدده. بدأ الأمر برد فعل للناس على عنف الشرطة لقيامها بقتل فتاة ارتدت قناع V (ألا يذكرنا هذا بحوادث مصرية مماثلة أشهرها حادث خالد سعيد؟) واندلع العنف ضد الشرطة في الشوارع، ونزلت قوات الجيش. حظر التجوال. بيانات الحاكم في التلفاز. خروج الناس بالآلاف إلى الشوارع في اليوم المحدد. حتى مشهد عبور كوبري قصر النيل كان هناك مشهد مماثل له في الفيلم، لكن بدون العنف الذي صاحب هذا المشهد في مصر.

تدمير مبنى البرلمان الإنجليزي في الفيلم يماثل حرق المقر الرئيسي للحزب الوطني. كلاهما رمز للطغيان. في هذه النقطة يقول الفيلم: "البناء هو رمز، وكذلك فعل تدميره، والرموز تأخذ مصداقيتها من الشعب، الرمز وحده يكون بلا معنى، لكن مع وجود ما يكفي من الناس فإن تدمير مبنى يمكن أن يغير العالم".

في الفيلم كان يجب على V أن يقتحم مبنى التليفزيون ليستخدم هذه الآلة الإعلامية الجبارة لبث رسالته إلى كل الناس، كان هذا عام 2006 حين كان اليوتيوب طفلا يحبو، ولم يكن الفيسبوك بهذا الانتشار وهذه القوة. في عالم الواقع استخدم الثوار اليوتيوب والفيسبوك لنشر رسالتهم وحشد الجماهير، وهو أمر كان أسهل كثيرا مما اضطر له V.

 

هذه هي عبقرية الفن، أن ينظر ويفكر ويتنبأ، فتأتي التنبؤات صادقة إلى هذا الحد. بعد خمس سنوات من عرض الفيلم في الصالات المصرية تحققت ثورة V في مصر. V الذي أخبرنا أن العنف يمكن أن يستخدم للخير، لكن العنف الذي استخدمناه كان أقل بكثير مما يُفترض، بينما العنف الذي وجهته الحكومة ضدنا كان أكثر بكثير مما ينبغي.

وعلى طريقة الأخوين واتشوسكي في تطعيم أفلامهم بحوار فلسفي، يمتليء الفيلم أيضا بمجموعة من الحكم الرائعة، والتي يمكن أن نقتبس منها هذه الجملة التي نختم بها الكلام:

"يجب ألا يخاف الشعوب من حكامهم، الحكام هم من يجب أن يخافوا من شعوبهم".

تعليقات القراء