د. ميشيل حنا يكتب: عن جريدة الفتح ونموذج الإعلام السلفي

بدافع من فضول، ابتعت عددا من جريدة الفتح المعبرة عن توجهات حزب النور السلفي.

العدد هو العدد العاشر الصادر يوم 30 ديسمبر، وسآخذ هذا العدد فقط كنموذج وعينة من الخطاب المراد توصيله، بغض النظر عن باقي الأعداد والتي يمكن الرجوع إلى موضوعاتها عبر موقع الجريدة الرسمي على الإنترنت، والتي لا تختلف كثيرا في الحقيقة عن العدد العينة، حيث تكرس الجريدة جميع صفحاتها لخدمة توجهها بدءا من غلافها أخضر اللون، في إعلام موجّه بامتياز.

 

* بالتقليب في الجريدة نجد أنه لا مجال إطلاقا لأي رأي مخالف لتوجه الحزب ولو حتى من باب ادعاء الموضوعية. هناك الكثير من الأخبار التي تمجد أعمال الحزب، فهم قاموا بحل أزمة البوتاجاز في أبنوب، وحقنوا دماء 5 عائلات في أسيوط، وساهموا في إنقاذ قرية أبي سمبل، واستقبلوا استقبالا حافلا في السودان، وغير ذلك من بطولات.

 

* من اللطيف أن معظم الصور المنشورة في الجريدة هي لأشخاص من أصحاب الذقون، حتى أن الشعر يكاد يخرج من بين الصفحات. لا يوجد اسم لامرأة واحدة بين العاملين بالجريدة أو بين الكُتاب، ولا توجد أية صورة لأنثى بين الصفحات.

 

 

* هناك صورة للمشير طنطاوي تتصدر الجريدة، تماما كما كانت تفعل الجرائد القومية مع حسني مبارك. وتنبري الجريدة للدفاع عن المجلس في عدة مواضع: هناك مقال ص 12 يدافع دفاعا مستميتا عن المجلس العسكري، ويوضح لنا حجم "الضغوط والإرهاب الفكري الواقع تحته المجلس العسكري لشل قدرته على قمع المخربين"!! مقال ص 7 يحاول تبرئة الجيش من قتل الشيح عماد عفت. مقال يسخر من تقرير دولي يقول أن العسكر استخدموا غاز أعصاب في محمد محمود ص 2. مقال ص 12 يعيد النفخ في قضية كاميليا، ويهاجم المدافعين عن فتاة التحرير المسحولة من قبل الجيش!

 

* الجريدة تخصص العديد من الموضوعات للهجوم على شخصيات كانت ولازالت أهم رموز الثورة المصرية، مع تركيز خاص على محمد البرادعي وعلاء الأسواني. بعض الموضوعات تتضمن محاولات ساذجة للتشويه كالتي كانت تمارسها الجرائد المدعومة من أمن الدولة أيام الرئيس المخلوع، مثل نشر صورة في صدر الجريدة تجمع بين البرادعي وكولين باول وتحتها التعليق التالي: "كولين باول قائد الحرب على العراق.. ماذا يقول للبرادعي؟"، وعلى القاريء أن يفهم أن الجريدة ضبطتهما وهما يتآمران على مصر! ثم خبر يقول أن صفحة البرادعي تهدد المجلس العسكري. هناك مقال يقلب الحقائق في مسألة اعتداء أهالي جاردن سيتي على الأسواني والتهمة هي أنه شوهد مع صحفيين فرنسيين! مقال يسخر من د. غادة كمال التي ضربها العسكر ص 2. مقال يسخر من علاء عبد الفتاح ص16. إضافة إلى الكثير من عبارات التخوين والتكفير التي تملأ جنبات الجريدة.

 

* هناك موضوعات شديدة الأهمية، تعطينا فكرة عما ينتوون عمله في البرلمان القادم، وفي البلد عموما، مثل مقال ص 17 يدعو لسن قانون ملزم باستخدام التاريخ الهجري والتخلي عن التقويم الميلادي. مقال ص 15 يعرفنا بأهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. مقال ص 14 يهاجم وزير الثقافة ويتهمه بدعم الشيوعيون (يقصد مجلة أدب ونقد!) وأنه يحارب الإسلام ويعمل على اكتناز الدنانير. مقال عن حد الرجم ص 12. مقال عن سقوط الرأسمالية وضرورة العودة للاقتصاد الإسلامي ص 4. مقال يطالب بوقف بث "القنوات التنصيرية" من النايل سات ص 3. تحذير من أن "الشيعة إذا دخلوا البلاد لصارت مصر إلى الخراب والضياع" ص 4. مقال يقول لنا أن العلمانية هدفها الأسمى الانحلال الخلقي والديني والفجور والسفور والاختلاط ص 12. مقال يدعو المرأة لممارسة واجباتها دون اختلاط بالرجال ص 18.

 

* هناك الكثير من الأخبار الساذجة، على غرار الشبكة اليهودية التي تدير مراكز لتجنيد الشباب من مصر ص 7، والإسرائيلي الذي يعمل في جوجل ويشرف على مجموعات مصرية لمساندة البرادعي ص 7. ثم هذا العنوان المضحك الذي يعود بنا 50 عاما إلى الوراء إلى عصر الإعلام الموجّه الساذج والذي يقول لنا أن الخبراء الاستراتيجيين أكدوا أن "وعي الشعب المصري قادر على إفشال مخططات الأعداء" ص 3.

 

* لغة الجريدة عنيفة وغير مهنية وشديدة التحيز: نقرأ مثلا ص 20: الليبرالييون يعوون والعلمانيون ينتحبون. علاء الإسباني وكيف تكون برجلا في 15 دقيقة ص 2، وغير ذلك الكثير.

 

من خلال هذه القراءة السريعة تتضح لنا بعض النقاط:

1. أنهم مؤيدون تماما وعلى طول الخط للسلطة الحاكمة ممثلة في المجلس العسكري، مهما كانت آراء هذه السلطة وتصرفاتها، وحتى لو كانت لا تتفق إطلاقا مع أيديولوجياتهم.

2. أنهم متحاملون ومتحيزون بشدة ضد الثورة المصرية وكل رموزها الشهيرة.

3. أنهم قد ورثوا كرسي المعارضة المدجنة المدعومة من الدولة، والتي توجهها الدولة كيفما تشاء لتلقي سهامها ضد أشخاص بعينهم، ويستخدمون في ذلك نفس الأساليب الساذجة التي كانت تتبعها جرائد المعارضة الكرتونية من حملات تشهير ومعلومات مبتورة ومنقوصة ومحاولات للعب على المشاعر الدينية للبسطاء.

4. أنهم يعيشون في عالم آخر لا نعيش فيه. عالم تأتي مفرداته مما خلف البحر الأحمر. المشكلة أنهم يريدون فرض مفردات هذا العالم علينا بالقوة.

5. أن الحزب السلفي تحول إلى أحد قادة الثورة المضادة، فهم ضد الثورة على طول الخط رغم أنهم يدعون عكس ذلك، لكن يمكننا أن نرى هذا بوضوح إذا قرأنا جريدة الفتح.

 

تعليقات القراء