د. ميشيل حنا يكتب: السلفي الطيب والبنت أم الشعور!

خرج علينا حزب النور السلفي بإعلان تليفزيوني دعائي لطيف، تلتقي فيه فتاة صغيرة كانت تلعب في الحديقة بالصدفة بشخص ملتح، فتنتهز الفرصة وتستفسر منه عن حزب النور، ليطمئنها بطل الإعلان، ويأخذها في رحلة يشرح لها فيها كيف ستكون مصر وماذا ستصبح بقيادة الحزب. يمكن مشاهدة الإعلان هنا:

     إعلان حزب النور الجديد هوية ودولة عصرية بعقول وأيادي مصرية   

وبعدها يمكن أن نلقي نظرة على هذه الملاحظات، مع العلم بأنه قد يكون من غير المناسب أن نحكم على الحزب من إعلان مدته دقيقتين ونصف، إلا أن الإعلان – وبكل تأكيد – يعطينا إشارات واضحة عن فكر القائمين عليه.

- من اللطيف أن كل البنات اللواتي يظهرن في الإعلان رءوسهن مكشوفة (ربما توجد واحدة محجبة تمر بشكل عابر). لكن في الحقيقة فكلهن لم يصلن بعد إلى السن الشرعي الواجب معه تغطية الرأس. لا توجد أيضا أية امرأة سواء سافرة أو محجبة أو منقبة في البلد الذي ظهر في الإعلان. ربما دلنا هذا على أنه على المرأة أن تختفي من المشهد العام بمجرد وصولها لسن معين، ويعزز من هذه الفكرة سابقة وضع صورة الوردة مكان صورة مرشحة الحزب التي يجب ألا يراها أحد.

- الموسيقى المصاحبة للإعلان هي أصوات بشرية بدون أي نوع من الآلات الموسيقية مما يتفق مع فتاوى تحريم المعازف، ويعطينا فكرة عامة عن نظرة الحزب نحو الفنون عموما والآلات الموسيقية خصوصا. 

- كل الوعود التي قطعت لنا في الإعلان تدخل تحت بند الكلام المرسل المجاني. إنشاء مدارس ومستشفيات ورصف طرق والاهتمام بالمواصلات، ولن يكون هناك زحام أو وقوف في الأوتوبيس. حسن جدا. كل الأحزاب تقول هذا حتى الحزب الوطني المنحل. بل إن المسوغات الكبرى لترشيح مبارك لفترات رئاسية متتالية كانت (إنجازاته) في مجالات التعليم والصحة والطرق والكباري والمجاري. لم يقل لنا أحد كيف سيقومون بهذا أو من أين سيأتون بالأموال أو ما هي الإستراتيجية التي ستتبع. لا يوجد هنا فرق واضح بين مفردات الخطاب الدعائي لحزب النور وتلك الخاصة بالحزب الوطني المنحل. 

 - كل من يظهرون في الإعلان ملتحون. بطل الإعلان الذي يقود البنت، المعلم في المدرسة. الطبيب في المستشفى. المريض فقط هو غير الملتحي، بمعنى أن أعضاء الحزب الملتحين سيعالجون المجتمع المريض البعيد عن الذقن والهداية. قد تدلنا النقطة على مدى إقصاء الآخر، فهم لا يرون في البلد سوى أنفسهم وأتباعهم.

 

 - أريد أن أتوقف أيضا أمام نموذج المستشفى المثالي الذي ظهر في الإعلان، فهي تقع داخل برج زجاجي قبيح يوجد وسط منطقة معمارية تراثية كما يظهر من المباني المجاورة، ووسط الكتلة السكنية وفي أكثر الشوارع ازدحاما، وهو أيضا برج سكني تجاري ينتمي لنماذج الفوضى المعمارية التي تضرب أطنابها في مدننا حاليا. ما يقدم على أنه النموذج الواجب اتباعه ينتمي لرؤية لا تتفق أبدا ومعايير التنسيق الحضاري المعماري. 

 

- قال بطل الإعلان ردا على الفتاة الصغيرة أن الحزب لن يمنع النسوة من العمل، لكنه سيهيئ لهن بيئة العمل المناسبة، وسيحفظ كرامتهن. لكنه لم يوضح لنا كيف يمكن أن يتم ذلك. واضح طبعا – وفقا لتصريحات سابقة لهم - أنهم سيفصلون الرجال عن النساء في بيئات العمل المختلفة. لا أعرف كيف يمكن أن يتم هذا، وهل سيكون الفصل في غرف مختلفة أم في مبان مختلفة؟ وهل سيذهب الرجال لتخليص المصالح الحكومية لدى موظفين من الرجال والعكس بالعكس؟ وهل ستشتري راكبات المترو التذاكر من موظفات في غرف منفصلة؟ هل سنقسم البلد إلى نصفين؟ إذا حدث هذا فعلا فلن تكون دولة عصرية كما يقولون، بل دولة من العصور الوسطى.

 

تتبقى النقطة الأخيرة، وهي الهجوم الكاسح الذي أعرف أنني سأتعرض له الآن بسبب كتابتي لهذا الكلام، حيث يعتقد البسطاء من الناس أن الذقن تمنح صاحبها حصانة لا يجوز معها تعرضه للانتقاد، على اعتبار أن انتقاده يدخل في بند انتقاد تعاليم الدين نفسه. كون شخص ما ملتزم دينيا لا يمنح أفكاره حصانة ولا يجب أن يرهبنا من مناقشته. ربما لا أكون بحاجة إلى توضيح أنني أتحدث عن أفكار حزب النور وليس عن المنهج السلفي عموما، فنحن نحترم أصحاب كل الديانات وكل المذاهب بأنواعها مهما كانت، لكن مادام أصحاب الحزب قد ارتضوا أن يعملوا بالسياسة – التي ستؤثر على حياتي بشكل مباشر وشخصي – فأعتقد أن صدورهم يجب أن تتسع لسماع الانتقادات، فبعد سقوط دولة حسني مبارك القمعية أعتقد أنه ليس من المقبول أبدا أن يتم جرنا إلى دولة أخرى سُلطوية أبوية لا مجال فيها للنقد أو الاعتراض.

 

 

تعليقات القراء