«هاميس عودي إلى آتون» .. تقديس قدماء المصريين للنيل وقصة العروسة الأسطورية .. الفراعنة يقتحمون أفريقيا للوصول لمنابع النهر العظيم

الموجز

رسخت السينما المصرية على مدار 60 عاما أسطورة ، "عروس النيل" وهى تلك الفتاة الجميلة التى تُزين بأجمل وأغلى الحُلي ثم تلقى قبل وقت الفيضان حتى يرضى حابى إله النيل، لتجري المياه فى الوادي وتنجو مصر من الجفاف ، والتى توارثتها الأجيال ومازالت ممتدة عن الحضارة المصرية، من خلال فيلم "عروس النيل"، الذي رسخ في أذهان الأجيال حكاية "عروس النيل".

أوردها المؤرخ الأغريقي بلوتارخ، والتي تقول إن إيجبتوس ملك مصر أراد اتقاء كوارث نزلت بالبلاد، فأشار إليه الكهنة بإلقاء فتاة في النيل ففعل، ثم لحق به ندم شديد فألقى بنفسه وراءها، ونتيجة لأهمية هذه القصة والاحتفاء الكبير الذي كان يُقام في عيد "وفاء النيل"، وقد انجذبت السينما للقصة، فقدمتها في شكل "فانتازايا" من خلال فيلم "عروس النيل" عام 1963، والذي رسخ صورة خاطئة عن الحضارة المصرية بإلقاء فتاة في النيل.

من جانبه الدكتور عماد مهدي عضو اتحاد الآثاريين المصريين، والباحث الآثري في حديثه لـ"بوابة الأهرام"، أن العمل الدرامي "عروس النيل" له تأثير على الأجيال أكثر من 1000 كتاب، مشيرا إلى أن فيلم المخرج فطيم عبدالوهاب "عروس النيل" خرج للنور عام 1963، وفكرة الفيلم كانت للفنانة لبنى عبدالعزيز، وتم عرضه منذ ما يقرب من حوالي 60 عاما  وحقق نجاحا كبيرا لأنه تحدث عن الحضارة المصرية بشيء من الكوميديا مع الدراما، ولكن الفيلم صدر فكرة خاطئة وهي فكرة إلقاء فتاة في النيل، في يوم الاحتفال الذي كان يقوم بها القدماء المصريون، وهذه المعلومات خاطئة لأن ليس هناك أي فتاة أو بشر يتم التضحية به في النيل.

قصة حب خيالية بين رجل من العصر الحديث وآخر عروس نيل مصرية

الفيلم يحكي قصة حب خيالية بين رجل من العصر الحديث وآخر عروس نيل مصرية "هاميس"، والفيلم من فكرة لبنى عبدالعزيز التي قامت بدور البطولة فيه، وتأليف كامل يوسف، وإخراج فطين عبدالوهاب، وشاركها رشدي أباظة وشويكار وعبدالمنعم إبراهيم، ومازالت السينما المصرية تقدمه بشكل مستمر رغم أنه يحمل معلومات خاطئة عن الحضارة المصرية.

ماذا تعني كلمة "النيل"؟

"فليحيا الإله الكامل، الذي في الأمواه، إنه غذاء مصر وطعامها ومؤونتها، إنه يسمح لكل امريء أن يحيا، الوفرة على طريقه، والغذاء على أصابعه، وعندما يعود يفرح البشر، كل البشر"، ترنيمة دوّنها المصري القديم في نصوصه الأدبية تبرز قدر عرفانه لنهر النيل، جاعلا منه "الإله" الخالق لمصر، واهب الحياة والخُلد لها منذ القدم.

أطلق المصريون القدماء على نهر النيل في اللغة المصرية القديمة "إيترو عا" بمعنى (النهر العظيم)، وتشير الأصول اللغوية لكلمة النيل إلى أنها من أصل يوناني، "نيلوس"، بيد أن آخرين تحدثوا عن أصول فينيقية للكلمة اشتقت من الكلمة السامية "نهل" بمعنى (مجرى أو نهر).

وذهب المؤرخ اليوناني ديودور الصقلي إلى أبعد من ذلك حين أشار إلى إن النيل أُطلق عليه هذا الاسم تخليدا لذكرى ملك يدعى "نيلوس" اعتلى عرش البلاد وحفر الترع والقنوات فأطلق المصريون اسمه على نهرهم، وتُستخدم "نيلوس" كاسم علم مذكر بحسب عقد بيع مدوّن على بردية يعود إلى العصر الروماني، يحتفظ به المتحف المصري، بين رجل يدعى "نيلوس" وآخر يدعى "إسيدوروس".

ويرى العالم المصري رمضان عبده، في دراسته الموسوعية "حضارة مصر القديمة"، ضمن إصدارات وزارة الآثار المصرية، أن كلمة النيل مشتقة من أصل مصري صميم من العبارة "نا إيترو" والتي تعني (النهر ذو الفروع)، كما أطلق المصريون على مجرى النهر اسم "حبت إنت إيترو" (مجرى النهر)، وأطلقوا على فروع النيل في أرض مصر "إيترو نوكيمت" (فروع الأرض السوداء).

استكشاف منابع النيل

تشير الوثائق التاريخية إلى حدوث اتصال ما بين المصريين القدماء ومناطق تقع في جنوب مصر، بلاد "كوش" و"يام" و"بونت"، الأمر الذي يرجح بعض دراية للمصريين بإقليم بحر الغزال، أحد روافد النيل في جنوب السودان، منذ عصور الدولة القديمة، ونتيجة حرص المصريين على التوغل في النوبة والسودان، ظهر رحّالة ومستكشفون في الأسرة السادسة معظمهم من أمراء أسوان جنوبي مصر.

نظم حاكم الجنوب ويدعى "حرخوف" أربع حملات استكشافية إلى أفريقيا بناء على أوامر من الملكين "مر-إن-رع" و"بيبي الثاني" حوالي 2200 قبل الميلاد، وحرص "حرخوف" على تسجيل وقائع رحلاته في مقبرته في أسوان، كما في هذا المقتطف من نص كامل نقلته إلى الفرنسية عن اللغة المصرية القديمة العالمة كلير لالويت في دراستها "الفراعنة في مملكة مصر زمن الملوك الآلهة":

"أرسلني سيدي صاحب الجلالة مر-إن-رع، في صحبة والدي، الصديق الأوحد، والكاهن المرتل إيري إلى بلاد يام لاستكشاف دروبها، أنجزت هذه المهمة في غضون سبعة أشهر، وجلبت منها شتى أشكال (الهدايا) الجميلة منها والنادرة ونلت من أجل ذلك المديح كل المديح".

 

تعليقات القراء